السبت، 7 مارس 2015

حقوق المتعاقد في مواجهة الإدارة

        مثلما تملك الإدارة حقوق في مواجهة المتعاقد معها، فإن الأخير يتمتع بحقوق متماثله وتتمثل هذه الحقوق في حقه في الحصول على المقابل النقدي وحقه في اقتضاء بعض التعويضات، وأخيراً حقه في ضمان التوازن المالي للعقد.
أولاً : المقابل النقدي :
        يسعى المتعاقد مع الإدارة لتحقيق مصالح مادية من وراء تعاقده تتمثل بالمقابل النقدي للسلع أو الخدمات التي قدمها للإدارة وفقاً لإلتزاماته التعاقدية .
        وتختلف طبيعة هذا المقابل باختلاف العقود الإدارية، ففي عقد الامتياز يتمثل بما يحصل عليه المتعاقد من رسوم تفرض على المنتفعين من خدمات المرفق ، أما في عقود التوريد والأشغال العامة، قد يكون بشكل الثمن الذي تدفعه الإدارة نظير السلع التي تم توريدها أو الأشغال التي تم تنفيذها.
        والقاعدة فيما يخص المقابل المادي تنص على أن لا يدفع إلا بعد إنتهاء تنفيذ العقد، وتسوية الحساب الختامي إلا في بعض الحالات التي تتعلق بطبيعة العقد الذي يتطلب تنفيذه مدة طويلة.


        ثانياً : حق اقتضاء التعويضات :-
        للمتعاقد وفقاً للقواعد العامة أن يتقاضى بعض التعويضات في حالة تسبب الإدارة بإحداث ضرر به لعدم تنفيذها إلتزاماتها التعاقدية .
        كذلك يتقاضى المتعاقد التعويض عن الأعمال الإضافية التي ينجزها ولم تكن واردة بالعقد إذا كانت هذه الأعمال ضرورية لتنفيذ العقد وتكون مطالبته في هذه الحالة استناداً إلى قاعدة الإثراء بلا سبب 
        كما يستحق المتعاقد التعويض إذا واجه أثناء تنفيذ العقد صعوبات مادية استثنائية لم تدخل في حساب طرفي العقد وتقديرهما عند التعاقد وتجعل التنفيذ أكثرمن الكلفة التي قدراها .
وقد أفتت الجمعية العمومية لقسم الرأي في مصر بتاريخ 4/ 2/ 1964 "أن نظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة تجمل في أنه إذا ما صادف المتعاقد في تنفيذ إلتزاماته صعوبات مادية ذات طبيعة استثنائية خالصة، ولا يمكنها توقعها بحال من الأحوال عند إبرام التعاقد وتؤدي إلى جعل تنفيذ العقد مرهقاً فإن من حقه أن يطالب بتعويض كامل عما تسببه هذه الصعوبات من أضرار" (

ثالثاً : ضمان التوازن المالي للعقد :-
        أن الاعتراف للإدارة بسلطة تعديل شروط العقد وزيادة أو إنقاص إلتزامات المتعاقد معها بإرادتها المنفردة لابد أن يقابلها من جانب أخر حق للمتعاقد يتمثل بمنحه من الإمتيازات المالية ما يساوي الزيادة في إلتزاماته، فالعدالة تقتضي أن يكون من طبيعة العقود الإدارية أن تحقق بقدر الإمكان توازناً بين الأعباء التي يتحملها المتعاقد مع الإدارة وبين المزايا التي ينتفع بها .
وأصطلح على هذه الفكرة بفكرة التوازن المالي للعقد، وقد أقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي هذه الفكرة في العديد من أحكامه وخاصة في مجال عقود الالتزام كما أشار إليها الكثير من مفوضي الدولة. ففي تقرير مفوض الدولة ليون بلوم Leon blum في قضية (الشركة الفرنسية العامة للترام) بتاريخ 21-3-1910 أوضح أنه "إذا انهار الاقتصاد المالي للعقد، وإذا أدى استعمال السلطة مانحة الالتزام حقها في التدخل إلى حدوث شيء من الاختلاف في هذا التوازن بين المزايا والأعباء، بين الإلتزامات والحقوق.. فليس ما يمنع الملتزم من اللجوء إلى قاضي العقد فيثبت أن التدخل وإن كان مشروعاً في ذاته وإن كان ملزماً له، سبب له ضرراً يتعين تعويضه عنه" (
        وقد انقسم الفقه في تحديد معنى التوازن المالي للعقد إلى جانبين ذهب الجانب الأول منه ويتزعمهم الفقيه Pequignot إلى القول أن التوازن المقصود هنا هو وضع نسبة حسابية دقيقة بين إلتزامات المتعاقد وحقوقه
        بينما ذهب الجانب الأخر إلى أن التوازن المالي للعقد لا يعني الجمود الحسابي بين الحقوق والإلتزامات، وإنما يقصد به مرونة إلتزامات المتعاقد مع الإدارة تقضي مرونة حقوقه في مواجهة الإدارة، فيكون من الضروري أن تناسب حقوق المتعاقد معه إلتزاماته، زيادة أو نقصاً على الأقل إذا كان حصول هذه الزيادة أو النقص بفعل الإدارة .
        وهذا الاتجاه هو الراجح فقها وقضاء، فقد قضت محكمة القضاء الإداري المصري في 30-6-1957 "أن الفقه والقضاء الإداري قد خلق نظرية الظروف الطارئة ونظرية التوازن المالي للعقد وغيرها من النظريات والقواعد التي تحقق بقدر الإمكان توازناً بين الأعباء التي يتحملها المتعاقد مع الإدارة وبين المزايا التي ينتفع بها.. أن من حق المتعاقد المضار من حالة الظروف الطارئة أن يطلب من الطرف الآخر مشاركته في هذه الخسائر التي تحملها فتعوضه عنها تعويضاً جزئياً.." ثم يستمر هذا الحكم ليقرر مبدأ استقلال نظرية التوازن المالي للعقد عن النظريات الأخرى فيقول :" ومن هذا تختلف هذه النظرية " نظرية الظروف الطارئة" عن نظرية التوازن المالي للعقد من ناحية أن نظرية التوازن المالي تقوم على مقابلة الحق المعترف به لجهة الإدارة في تعديل العقد الإداري للمصلحة العامة بإصلاح ما يحدث للعقد الذي هو طرف فيه، أما في نظرية الظروف الطارئة فإنه بالرغم من أن الضرر الذي يقع يرجع إلى سبب غريب عن جهة الإدارة فإن العقد يظل قائماً وموجوداً كما هو، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التعويض تأسيساً على نظرية التوازن المالي للعقد يكون تعويضاً كاملاً عن جميع الأضرار التي تصيب المتعاقد أما في حالة الظروف الطارئة فإنه يكون مقصوراً على معاونة ومساهمة في مقدار الضرر..






الأربعاء، 7 يناير 2015

النظام القانوني للقرارات الإدارية Le Regim des decision administratives



سلطة الإدارة في إصدار القرارات الإدارية

        تمارس الإدارة سلطتها في إصدار القرار بإتباع أسلوبين : الأول أن تمارس اختصاصاً مقيداً عندما يلزمها المشرع بوجوب التصرف على نحو معين , والأسلوب الثاني يتمثل بممارسة الإدارة اختصاصاً تقديرياً , عندما يترك لها المشرع قدراً من حرية التصرف .

أولاً : الاختصاص المقيد
        يقصد بالاختصاص المقيد أن لا تكون الإدارة حرة في اتخاذ القرار أو الامتناع عن اتخاذه , فالقانون يفرض عليها عند توفر شروط معينة أو قيام عناصر واقعية محددة , إصدار قرار معين , وقد يحدد الهدف الذي يتعين على الإدارة أن تعمل على تحقيقه أو الوقت المناسب لإصداره .
        وفي هذه الحالة تكون مهمة الإدارة مقصورة على تطبيق القانون على الحالات التي تصادفها عندما تتحقق أسبابها , فلا يترك لها أية حرية في التقدير .
        ومثال الاختصاص المقيد حالة ترقية الموظف بالأقدمية فإذا توفرت هذه الأقدمية فإن الإدارة مجبرة على التدخل وإصدار قراراتها بالترقية .
        ومع ذلك فإن المشرع قد لا يكبل الإدارة بجميع هذه القيود فمن المستحيل أن تكون جميع عناصر القرار الإداري مقيدة , لأن المهم أن يسير القرار الإداري الصادر ضمن الاختصاص المقيد للإدارة في مجال النطاق القانوني الذي رسمه المشرع حتى لا يكون مشوباً بعدم مشروعيته .
        ويتمثل الاختصاص المقيد في بعض عناصر القرار الإداري أكثر من الأخرى , فلا تتمتع الإدارة بحرية في مجال عنصر الاختصاص , حيث يكون قراراها باطلاً أو معدوماً إذا لم تحترم قواعد الاختصاص , وكذلك في عنصر الشكل عندما يرسم المشرع القواعد والإجراءات  الواجب إتباعها عند إصدار القرار , كما يرد الاختصاص المقيد أحياناً في العناصر الموضوعية من القرار الإداري فيجب أن يكون للقرار الإداري سبب ومحل مشروعان , وأن تهدف الإدارة من إصداره إلى تحقيق المصلحة العامة .


ثانياً : السلطة التقديرية
        يقصد بالسلطة التقديرية أن تكون الإدارة حرة في اتخاذ القرار أو الامتناع عن اتخاذه أو في اختيار القرار الذي تراه , أي أن المشرع يترك للإدارة حرية اختيار وقت وأسلوب التدخل في إصدار قرارها تبعاً للظروف .
        فالمشرع يكتفي بوضع القاعدة العامة التي تتصف بالمرونة تاركاً للإدارة تقدير ملائمة التصرف , شريطة أن تتوخى الصالح العام في أي قرار تتخذه وأن لا تنحرف عن هذه الغاية , و إلا كان قرارها مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة .مثال ذلك سلطة الإدارة في إصدار قرار الترقية بالاختيار على أساس الكفاءة .
        وتتجلى سلطة الإدارة التقديرية في عنصر السبب وهو الحالة الواقعية والقانونية التي تبرر اتخاذ القرار , والمحل وهو الأثر القانوني المترتب عنه حالاً ومباشرة , أما باقي عناصر القرار الإداري وهي الاختصاص والشكل والغاية فإنها تصدر بناءً على اختصاص مقيد .

مدى رقابة القضاء على السلطة التقديرية .
        ترتبط السلطة التقديرية بفكرة ملائمة القرار الإداري , إذ أن المشرع منح الإدارة هذه السلطة شعوراً منه بأنها أقدر على اختيار الوسائل المناسبة للتدخل واتخاذ القرار الملائم في ظروف معينة , وأنه مهما حاول لا يستطيع أن يتصور جميع الحالات التي قد تطرأ في العمل الإداري ويضع الحلول المناسبة لها .
        في حين يقوم الاختصاص المقيد على فكرة مشروعية القرار الإداري , لأن الإدارة مقيدة دائماً بما يفرضه القانون , ويترتب على ذلك أن القضاء يملك بسط رقابته على مشروعية القرار الصادر بناءً على اختصاص الإدارة المقيد , ويملك إلغاؤه إذا ما تبين أنه مخالف للقانون .
        ويتضح مجال الرقابة على عنصر السبب في أن الإدارة تملك تقدير أهمية وخطورة الوقائع ولا تخضع في ذلك لرقابة القضاء , في حين يمارس القضاء رقابته على صحة قيام الوقائع المادية التي قام عليها القرار, وكذلك فيما يتعلق بالتكييف القانوني لهذه الوقائع .
        أما بالنسبة لعنصر المحل فمن الممكن القول بأن معظم الاختصاص فيه هو اختصاص تقديري فبعد أن تتحقق الإدارة من قيام الوقائع المادية , وبعد أن تكيفها التكييف القانوني الصحيح , وتقدر مدى خطورة هذه الوقائع , تنتقل إلى عنصر المحل متمتعة بسلطة تقديرية واسعة في أن تتدخل أو لا تتدخل واختيار وقت هذا التدخل كما تتمتع الإدارة بسلطة تحديد الأثر القانوني الذي تريد ترتيبه , ما لم ينص المشرع على ضرورة تدخلها ووقته والأثر المترتب عليه .
        وقد برز في مجال رقابة القضاء على السلطة التقديرية اتجاهان فقد ذهب جانب من الفقه إلى أن القضاء يمتنع عن بسط رقابته على أعمال الإدارة المستندة إلى سلطتها التقديرية , فالقاضي بحسب رأيهم يمارس المشروعية وليس رقابة الملائمة ولا يجوز له أن يمارس سطوته على الإدارة فيجعل من نفسه رئيساً لها
        في حين يذهب الجانب الآخر إلى جواز تدخل القاضي لمراقبته السلطة التقديرية على أساس ما يتمتع به القاضي الإداري من دور في الكشف عن قواعد القانون الإداري فيمكن له أن يحول بعض القضايا المدرجة في السلطة التقديرية والمرتبطة بالملائمة إلى قضايا تندرج تحت مبدأ المشروعية تلتزم الإدارة بأتباعها و إلا تعرضت أعمالها للبطلان.
         والرأي الأكثر قبولاً في هذا المجال يذهب على أن سلطة الإدارة التقديرية لا تمنع من رقابة القضاء وإنما هي التي تمنح الإدارة مجالاً واسعاً لتقدير الظروف الملائمة لاتخاذ قراراتها وهذه الحرية مقيدة بأن لا تتضمن هذه القرارات غلطاً بيناً أو انحرافاً بالسلطة , وهي بذلك لا تتعارض مع مبدأ المشروعية بقدر ما تخفف من اختصاصات الإدارة المقيدة .





المبحث الثاني
نفاذ القرارات الإدارية

        الأصل أن يكون القرار الإداري نافذاً من تاريخ صدروه من السلطة المختصة قانوناً بإصداره , ولكنه لا يسري في حق الأفراد المخاطبين به إلا إذا علموا به عن طريق أحدى الوسائل المقررة قانوناً . ومن ثم فهناك تاريخان رئيسيان لنفاذ القرارات الإدارية هما تاريخ صدور القرار , وتاريخ العلم به أو سريانه في مواجهة الأفراد , وسنبحث هذين التاريخان ثم نبحث في مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية و أمكان أرجاء آثاره إلى المستقبل .

أولاً : تاريخ صدور القرار الإداري ذاتـه .
        الأصل أن القرار الإداري يعد صحيحاً ونافذاً من تاريخ صدوره , ومن ثم فإنه يسرى في حق الإدارة من هذا التاريخ ويستطيع كل ذي مصلحة أن يحتج بهذا التاريخ في مواجهتها غير أن هذا القرار لا يكون نافذاً بحق الأفراد إلا من تاريخ علمهم به .
        إلا أن هذه القاعدة ترد عليها بعض الاستثناءات , من ذلك أن هناك من القرارات ما يلزم لنفاذها إجراءات أخرى من قبيل التصديق أو وجود اعتماد مالي , فلا ينفذ القرار إلا من تاريخ استيفاء هذه الإجراءات , كما قد تعمد الإدارة إلى أرجاء أثار القرار إلى تاريخ لاحق لتاريخ صدوره وهو ما يعرف بإرجاء أثار القرار الإداري . 



ثانياً : سريان القرار الإداري في مواجهة الأفراد .
        إذا كان القرار الإداري ينفذ في حق الإدارة بصدوره , فإنه لا يكون كذلك في مواجهة الأفراد , فيلزم لذلك علمهم به بأحدى وسائل الإعلام المقررة قانوناً , وهي : الإعلان , النشر, أو بعلم صاحب الشأن علماً يقينياً .
1. الإعلان او التبليغ :
        يقصد بالإعلان تبليغ القرار الإداري إلى المخاطب به بالذات , والأصل أن الإعلان يتم بكافة الوسائل المعروفه والتي من خلالها يمكن أن يتحقق علم صاحب الشأن بالقرار , كتسليمه القرار مباشرة أو بالبريد أو عن طريق محضر , أو لصقه في المكان المخصص للإعلان .
        والإعلان هو الوسيلة الواجبة لتبليغ القرارات الفردية الصادرة بصدد فرد معين بالذات أو أفراداً معينين بذواتهم أو بخصوص حالة أو حالات معينة , كما هو الحال بالنسبة لقرار تعيين موظف أو منح رخصة مزاولة مهنة معينة , وعلى ذلك لا يكفي نشر القرار لافتراض العلم به . 
        وهذا الإعلان قد يكون تحريرياً كما يصح شفهياً و فالإدارة غير ملزمة بإتباع وسيلة معينة للإعلان إلا أن الصعوبة تكمن في إثبات التبليغ الشفهي لذلك نجد الإدارة تسعى دائماً إلى أن يكون إعلانها كتابة حتى تتجنب مخاطر التبليغ لأن من السهل عليها إثبات التبليغ الكتابي .
        إلا أن عدم تطلب شكلية معينة في الإعلان لا ينفي ضرورة احتواء الإعلان على مقومات تتمثل في ذكر مضمون القرار والجهة الصادر منها وأن يوجهه إلى ذوي المصلحة شخصياً أو من ينوب عنهم .
2. النشر :
        النشر هو الطريقة التي يتم من خلالها علم أصحاب الشأن بالنسبة للقرارات الإدارية التنظيمية أو اللائحية .
        وعادة ما تتضمن القرارات التنظيمية قواعد عامة مجردة تنطبق على عدد غير محدد من الحالات أو الأفراد , مما يتطلب علم الكافة به من خلال نشره .
        ويتم النشر عادة في الجريدة الرسمية إلا إذا نص القانون على وسيلة أخرى للنشر فيجب على الإدارة أتباع تلك الوسيلة كأن يتم في الصحف اليومية أو عن طريق لصق القرار في أماكن عامة في المدينة .
        وحتى يؤدي النشر مهمته يجب أن يكشف عن مضمون القرار بحيث يعلمه الأفراد علماً تاماً وإذا كانت الإدارة قد نشرت ملخص القرار فيجب أن يكون هذا الملخص يغني عن نشره كله فيحوي على عناصر القرار الإداري كافة , حتى يتسنى لأصحاب الشأن تحديد موقفهم من القرار .
3. العلم اليقيني:
        أضاف القضاء الإداري إلى النشر والإعلان العلم اليقيني بالقرار كسبب من أسباب علم صاحب الشأن بالقرار الإداري وسريان مدة الطعن بالإلغاء من تاريخه .
        والعلم اليقيني يجب أن يكون متضمناً المضمون الكامل لعناصر القرار الإداري ومحتوياته فيقوم مقام النشر والإعلان , فيصبح صاحب الشأن في مواجهة القرار في حالة تسمح له بالإلمام بكافة ما تجب معرفته , فيتبين مركزه القانوني من القرار وإدراك مواطن العيب فيه , وما يمس مصلحته , فلا عبره بالعلم الظني أو الافتراض مهما كان احتمال العلم قوياً .
        ويمكن أن يستمد هذا العلم من أية واقعة أو قرينه تفيد حصوله دون التقيد بوسيلة معينة للإثبات وللقضاء الإداري أن يتحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة وهل هي كافية للعلم أم لا , ولا يبدأ سريان مدة الطعن إلا من اليوم الذي يثبت فيه هذا العلم اليقيني .
        ويلزم أخيراً أمكان ثبوت العلم اليقيني في تاريخ معين حتى يمكن حساب ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخه , ومن ثم فلا عبره بالعلم اليقيني بالقرار حتى وأن ثبتت واقعة أو قرينة العلم به طالما أنها تمت دون أن يوضع تاريخها .




ثالثاً : مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية .
        الأصل أن تسرى آثار القرارات الإدارية على المستقبل , ولا تسري بأثر رجعي على الماضي احتراماً للحقوق المكتسبة والمراكز القانونية التي تمت في ظل نظام قانوني سابق , و احتراماً لقواعد الاختصاص من حيث الزمان .
        والمسلم به في القضاء الإداري أن قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية هي قاعدة آمره وجزاء  مخالفتها بطلان القرار الإداري ذي الأثر الرجعي , ويقوم مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية على عدة اعتبارات تتمثل في :
1.    احترام الحقوق المكتسبة : إذا اكتسب الأفراد حقاً في ظل نظام قانوني معين أو رتب لهم قرار إداري مركزاً قانونياً معيناً , فأنه لا يجوز المساس بهذا المركز إلا بنص خاص و ويسرى التغيير أو التعديل في هذا المركز بأثر حال ومباشر من تاريخ العمل به وليس بأثر رجعي .
2.    استقرار المعاملات بين الأفراد : المصلحة العامة تقتضي أن لا يفقد الأفراد الثقة والاطمئنان على استقرار حقوقهم و مراكزهم الذاتية التي تمت نتيجة لتطبيق أوضاع القانوينة السابقة .
3.    احترام قواعد الاختصاص : تقوم قاعدة عدم رجعية القرارات لإدارية على ضرورة عدم اعتداء مصدر القرار على اختصاص سلفه .
ومن الجدير بالذكر أن بطلان القرار الإداري الذي يصدر خلافاً لقاعدة عدم الرجعية على الماضي قد لا يكون بطلاناً كلياً , كما لو صدر قرار بترقية موظف عام من تاريخ لا يستحق فيه الترقية , فإذا كان القرار سليماً فأنه يلغي جزئياً فيما يتعلق بالتاريخ المحدد للترقية , وتعتبر الترقية من التاريخ الذي استكمل فيه المدة القانونية , أما إذا كان القرار غير قابل للتجزئة فأن البطلان يشمله كله . ([9])
        غير أن قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية على الماضي لا تسري على إطلاقها فقد بدأ القضاء الإداري يخفف من حدتها فظهرت بعض الاستثناءات التي يمكن ردها إلى ما يلي :-
1.    إباحة الرجعية بنص القانون : يجوز للمشرع أن يخول الإدارة بنص صريح أن تصدر قرارات معينة بأثر رجعي على اعتبار أن المشرع يمثل المصلحة العامة التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها .
2.    إباحة الرجعية في تنفيذ الأحكام : الحكم القضائي الصادر بإلغاء قرار إداري يؤدي إلى إعدام هذا القرار بالنسبة للمستقبل والماضي , وحتى تنفذ الإدارة حكم الإلغاء لابد لها من إصدار قرارات متضمنة بالضرورة آثاراً رجعية , كما لو حكم القضاء بإلغاء قرار الإدارة بفصل موظف فإن الإدارة تلتزم بإعادته إلى وظيفته السابقة مع منحه الإمتيازات والحقوق التي فاته التمتع بها في فترة انقطاعه عن الوظيفية .
3.    رجعية القرارات الإدارية الساحبة : درج القضاء على أن قرار الإدارة بسحب القرارات الإدارية يتم بأثر رجعي نظراً لإعدامه القرار المسحوب من تاريخ صدروه, فالإدارة تملك حق سحب قراراتها التنظيمية في كل وقت سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة , وكذلك يجوز لها سحب قراراتها الفردية الغير مشروعة والمرتبة لحقوق ذاتية خلال مدة الطعن بالإلغاء . 
4.    رجعية القرارات المؤكدة والمفسرة : إذا صدر قرار بقصد تأكيد أو تفسير قرار سابق و فإن القرار المؤكد أو المفسر يسرى حكمه من تاريخ تطبيق القرار الأول لأنه لا يضيف أثراً جديداً له بل يقتصر على تأكيده أو تفسيره .
5.    رجعية القرارات الإدارية لمقتضيات المرافق العامة : استقر القضاء الإداري في فرنسا ومصر على عدم تطبيق قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية كلما تعارض تطبيقها مع مقتضيات سير المرافق العامة . ([10])
رابعاً : أرجاء آثار القرار الإداري للمستقبل .
        في مقابل قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية على الماضي تملك الإدارة في بعض الأحيان أرجاء تنفيذ القرار الإداري إلى تاريخ لاحق , ودرج القضاء الإداري على التمييز في ذلك بين القرارات الإدارية التنظيمية أو اللوائح والقرارات الإدارية الفردية :
1.    القرارات الإدارية التنظيمية : تملك الإدارة أرجاء آثار القرارات التنظيمية إلى تاريخ لاحق لصدورها , لأن ذلك لا يتضمن اعتداء على سلطة الخلف , لأن هذا الخلف يملك دائماً حق سحب أو إلغاء أو تعديل قراراته التنظيمية لأنها لا ترتب حقوقاً مكتسبة بل تنشئ مراكز تنظيمية عامة .
2.    القرارات الإدارية الفردية : الأصل في القرارات الإدارية الفردية أن لا يجوز للإدارة أن ترجئ آثارها للمستقبل لأن ذلك يمثل اعتداء على السلطة القائمة في المستقبل لأنه يولد عنها مراكز قانونية خاصة , يستطيع الأفراد أن يحتجوا بها في مواجهة الإدارة استناداً إلى فكرة الحقوق المكتسبة .
كما لو أصدرت السلطة الإدارية الحالية قراراً بتعيين موظف وأرجئت تنفيذ هذا القرار إلى فترة لاحقة , فتكون قد قيدت السلطة الإدارية في المستقبل بقرار التعيين خلافاً لقواعد الاختصاص .


المبحث الثالث

تنفيذ القرارات الإدارية
        تتمتع الإدارة بإمتيازات وسلطات استثنائية في تنفيذ قراراتها , منها قرينة المشروعية, التي تفترض سلامة قراراتها الإدارية حتى يثبت العكس , وتمتع قراراتها بقوة الشيء المقرر وقابليته للتنفيذ , وهو ما يجعل الإدارة في مركز المدعى عليها باستمرار , ويفرض على الأفراد احترام القرارات الصادرة عنها .
        كما تتمتع الإدارة في مجال تنفيذ قراراتها الإدارية بامتياز التنفيذ المباشر الذي يتيح لها تنفيذ القرارات الإدارية التي تصدرها بنفسها .


أولاً : مفهوم التنفيذ المباشر
        يقصد بالتنفيذ المباشر السلطة الإستثنائية التي تملكها الإدارة في تنفيذ قراراتها بنفسها تنفيذاً جبرياً عند امتناع الأفراد عن تنفيذها اختيارياً دون اللجوء إلى القضاء , وتقوم هذه السلطة على أساس افتراض أن كل ما تصدره الإدارة من قرارات يعد صحيحاً ومطابقاً للقانون إلى أن يثبت العكس لوجود قرينة المشروعية التي تعفى الإدارة من إثبات صحة قراراتها , ومن ثم لا يقبل من أحد الامتناع عن تنفيذها لمطابقتها للقانون .
        وهنا يجب التمييز بين نفاذ القرار الإداري وتنفيذه فالنفاذ يتعلق بالآثار القانونية للقرار الإداري وهي عنصر داخلي في القرار الإداري , في حين يكون تنفيذ القرار بإظهار آثاره في الواقع وإخراجه إلى حيز العمل وتحويله إلى واقع مطبق يؤدي إلى تحقيق 
        ومن ثم فهناك من القرارات الإدارية ما يكفي فيها القوة التنفيذية أو النفاذ ولا تتطلب إجراءاً تنفيذياً خارجياً كقرار الإدارة بتوقيع عقوبة الإنذار على موظف عام , أو قرارات الإدارة التي تنفذ طواعيه من الأفراد المخاطبين بها .
        أما إذا تعنت الأفراد في تنفيذ قرارات الإدارة فإن الأمر يستدعي التنفيذ المادي للقرار , وحيث أن طريق التنفيذ المباشر هو طريق استثنائي فإنه يتم اللجوء إلى القضاء للحصول على حكم بالتنفيذ إذا لم يقبل الأفراد بتنفيذ القرار اختيارياً ويتم ذلك عن طريق استخدام الدعوى الجنائية أو الدعوى المدنية .

ثانياً : حالات التنفيذ المباشر .
        لأن التنفيذ المباشر يعد وسيلة استثنائية فإن الإدارة لا تلجأ إلى استخدامه إلا في حالات معينة هي :
1.    النص من جانب المشرع : قد يخول المشرع الإدارة سلطة تنفيذ قراراتها تنفيذاً جبرياً دون الحاجة إلى أذن سابق من القضاء , مثال ذلك حجز الإدارة على المرتب والعلاوات والمعاشات والمكافآت وسائر المزايا المالية التي يستحقها الموظف في حدود معينه .
2.    عدم وجود وسيلة قانونية أخرى لتنفيذ القرار الإداري : إذا لم يكن للإدارة وسيلة قانونية تلجأ إليها لتنفيذ القرار الإداري , كان لها أن تنفذه جبرياً لتكفل احترامه ولو لم ينص القانون على ذلك .
فإذا نص المشرع على جزاءات جنائية تترتب على الأفراد في حالة امتناعهم   عن تنفيذ القرار الإداري , فإنه يمنع على الإدارة استعمال سلطة التنفيذ المباشر . 
3.    حالة الضرورة : يجوز للإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر في حالة وجود خطر يهدد النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة , بحيث يتعذر عليها مواجهة هذا الخطر باستخدام الطرق العادية , ونظراً لخطورة اللجوء إلى التنفيذ المباشر في هذه الحالة فقد جرى القضاء والفقه على أن حالة الضرورة لا تقوم إلا بتوافر شروط معينة يمكن إجمالها بما يلي :
  أ-وجود خطر جسيم يهدد النظام العام بعناصره الثلاثة "الأمن,الصحة , السكينة".
  ب- تعذر دفع هذا الخطر بالوسائل القانونية العادية  .
  ج-أن يكون هدف الإدارة من تصرفها تحقيق الصالح العام .
   د- أن يكون تصرف الإدارة في الحدود التي تقتضيها الضرورة .

ثالثاً : شروط تطبيق التنفيذ المباشر .
        يشترط للجوء الإدارة إلى التنفيذ الجبري في الحالات السابقة توافر الشروط الآتية: 
.    يجب أن يقتصر التنفيذ المباشر على الإجراءات الضرورية لتنفيذ القرار , دون أن تنصرف وتستعمل ما يتجاوز الضروري .
فإذا خالفت الإدارة هذه الشروط , وتذرعت بالتنفيذ المباشر , فأنها تتحمل ما قد ينشأ عن تنفيذ القرار من أضرار تلحق بالأفراد , ويعد إجراءاها اعتداء مادياً مع عدم المساس بالقرار الإداري الذي من الممكن أن يكون مشروعاً في ذاته .


الفصل الخامس
نهاية القرارات الإدارية

        يقصد بنهاية القرارات الإدارية انتهاء كل أثر قانوني لها , وقد تنتهي القرارات الإدارية نهاية طبيعية عندما ينفذ مضمونها , أو تنتهي المدة المحددة لسريانها , أو استنفاذ الغرض الذي صدر لأجله أو يستحيل تنفيذه لانعدام محله أو وفاة المستفيد منه , إلى غير ذلك من أسباب لا دخل لأي سلطة في تقريرها .
        وقد تكون نهاية القرارات الإدارية نهاية غير طبيعية بأن تتدخل أحدى السلطات الثلاث لإنهائها كأن يتدخل المشرع أو القضاء لإلغاء القرار , كما قد يصدر قرار الإنهاء من الإدارة وذلك بسحب القرار أو إلغاؤه .
        وسنبحث فيما يلي الصور المختلفة لنهاية القرارات الإدارية وذلك في مبحثين :
المبحث الأول : نهاية القرارات الإدارية بغير عمل الإدارة .
المبحث الثاني : نهاية القرارات الإدارية بعمل من جانب الإدارة .

المبحث الأول
نهاية القرارات الإدارية بغير عمل الإدارة

        ينتهي القرار الإداري نهاية لا دخل للإدارة فيها أما بنهايتها الطبيعية , أو عن طريق القضاء بحكم قضائي , ولأن الحالة الأخيرة تدخل  ضمن موضوع رقابة القضاء على أعمال الإدارة فأننا سنقصر البحث في هذا الجانب من الدراسة على النهاية الطبيعية للقرار الإداري .
        وتنتهي القرارات الإدارية نهاية طبيعية مهما طالت مدة سريانها في الحالات التالية :



أولاً : تنفيذ القرار الإداري
        ينتهي القرار الإداري بمجرد تنفيذه أو استنفاذ الغرض منه , كتنفيذ القرار بإبعاد أجنبي , فإن القرار ينتهي بمغادرة ذلك الأجنبي البلاد , والقرار  الصادر بهدم منزل آيل للسقوط ينتهي بهدم ذلك البيت .
        وقد تستدعي طبيعة بعض القرارات استمرارها لمدة طويلة من الزمن , كالقرار الصادر بترخيص محل , فلا ينتهي القرار بإنشاء المحل , بل يستمر ما دام المستفيد من الترخيص مزاولاً لنشاطه , إلا إذا تدخلت الإدارة وقامت بسحب الترخيص لمقتضيات المصلحة العامة أو لمخالفة المستفيد لشروط الاستفادة منه .
ثانياً : انتهاء المدة المحددة لسريان القرار
        قد يحدد المشرع مدة معينة لسريان القرار الإداري يتوقف أثره بانتهائها , كما في حالة الترخيص بالإقامة لأجنبي لمدة معينة , أو قرار منح جواز سفر ,ففي الحالتين ينتهي القرار بانتهاء المدة المحدد سلفاً لنفاذ الترخيص وجواز السفر .
ثالثاً : زوال الحالة الواقعية أو القانونية التي تعلق عليها استمرار نفاذ القرار الإداري
       
رابعاً : استحالة تنفيذ القرار
        كالقرار الصادر بترخيص مزاولة مهنة معينة , ثم يتوفى المستفيد من الرخصة أو القرار الصادر بتعيين موظف يتوفى قبل تنفيذه لقرار التعيين .
        فالأصل في هذه الأحوال أن يرتبط مصير القرار بمصير من صدر لصالحهم إلا في بعض الحالات الإستثنائية التي تسمح بترتيب بعض آثار القرار على ورثة المستفيد .
خامساً : تحقق الشرط الفاسخ الذي يعلق عليه القرار
        قد يصدر القرار معلقاً على شرط فاسخ , وهو قرار كامل وتكون آثاره نافذة , غير أن تحقق الشرط الفاسخ يؤدي إلى زوال القرار من تاريخ صدروه وليس من تاريخ تحقق الشرط . 
        كما في قرار التعيين فهو قرار فردي مقترن بشرط فاسخ يتمثل في رفض صاحب الشأن فإذا لم يتحقق الرفض استمر القرار صحيحاً ومنتجاً لآثاره , أما إذا رفض التعيين زالت آثار القرار بأثر رجعي من تاريخ صدوره وليس من تاريخ تحقق الشرط .
سادساً : اقتران القرار بأجل فاسخ
        قد تقرن الإدارة القرار الإداري بأجل فاسخ , فإذا حل هذا الأجل زال القرار الإداري من تاريخ حلول الأجل على خلاف القرار المعلق على شرط فاسخ الذي تزول آثاره بأثر رجعي من تاريخ صدروه .
فالقرار في هذه الحالة يكون نافذاً ومنتجاً لآثاره حتى يتحقق الأجل الفاسخ , ومن ذلك القرارات الإدارية التي تحدد علاقة الموظف بالدولة والتي تنتهي حكماً ببلوغ الموظف سن التقاعد .
سابعاً : الهلاك المادي للشيء الذي يقوم عليه القرار
        كما لو صدر قرار بالترخيص لأحد الأشخاص باستعمال جزء من المال العام , فينتهي القرار بهلاك هذا الجزء من المال العام , أو فقده لصفة العمومية .
ثامناً : تغير الظروف التي دعت إلى إصدار القرار
        القرار الصادر تنفيذاً لقانون معين من الطبيعي أن ينتهي بزوال أو إلغاء القانون , إلا إذا نص على غير ذلك .







السبت، 6 ديسمبر 2014

القرارات الإدارية من حيث التكوين - (قرارات بسيطة وقرارات مركبة )


تنقسم القرارات الإدارية من هذه الجهة إلى قسمين الأول القرارات البسيطة أو المستقلة وهي تلك القرارات التي تتميز بكيان مستقل وتستند إلى عملية قانونية واحده غير مرتبطة بعمل قانوني أخر كالقرار الصادر بتعين موظف أو ترقيته أو نقلة وهي الصورة الأكثر شيوعاً في القرارات الإداريه
أما النوع أو القسم الثاني فيسمى بالقرارات المركبة وهي تلك القرارات التي تدخل في عملية قانونية مركبة تتم من عدة مراحل ومن هذه القرارات قرار نزع الملكية للمنفعة العامة وقرار إرساء المزاد أو أجراء المناقصة في العقود الإدارية . 
فالقرار الإداري الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة تصاحبه أعمال إدارية أخرى قد تكون سابقة أو معاصرة أو لاحقه له وتتم على مراحل متعددة تبدأ بتقرير المنفعة العامة للعقار موضوع نزع الملكية ثم أعداد كشوف الحصر لها وأخيراً صدور قرار نقل الملكية أو تقرير المنفعة العامة .
        ولهذا التقسيم أهمية تاريخية في فرنسا إذ أن القرارات التي تدخل في تكوين عمل إداري مركب كانت لا تقبل الطعن فيها بدعوى الإلغاء إمام مجلس الدولة تطبيقا لنظرية الدعوى الموازية على أساس أن القانون قد نظم لصاحب الشأن طريقا قضائيا أخر يستطيع به تحقيق ما توفره دعوى الإلغاء من مزايا وقد تخلى مجلس الدولة عن هذه النظرية بصورة تدريجية عندما سمح بالطعن بالإلغاء استقلالا في الأعمال القابلة للانفصال عن العملية المركبة ولو انه مازال يأخذ بها في دائرة ضيقة . 
ومن جانب أخر تظهر أهمية هذا التقسيم في أن القرارات البسيطة يمكن الطعن فيها بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية نهائيه أما في حالة القرارات المركبة فلا يجوز الطعن بالقرارات التمهيدية أو التحضيرية التي تتطلب تصديق جهات إدارية أخرى ولا يمكن الطعن بالإلغاء إلا بالقرار الإداري النهائي نتاج العملية المركبة . 
ومع ذلك فقد سمح القضاء الإداري كما بينا بفصل القرار الإداري الذي يساهم في عملية مركبة وفق ما يسمي بالأعمال القابلة للانفصال وقبل الطعن فيها بصفة مستقلة وبشروط معينة .
فقد استقر القضاء الإداري في فرنسا ومصر على أن القرارات الإدارية السابقة على أبرام العقد أو الممهدة لانعقاده مثل قرارات لجان فحص العطاءات ولجان البث في العطاءات وقرار استبعاد احد المتقدمين وقرار إرساء المزايدة أو إلغائها هي قرارات إدارية مستقلة عن العقد يجوز الطعن بها بدعوى الإلغاء وسمحت نظرية الأعمال الإدارية المنفصلة لمن له مصلحة من الغير أن يطعن بالإلغاء في هذه القرارات أما المتعاقدون فليس لهم أن يطعنوا في هذه القرارات إلا أمام قاضي العقد وعلى أساس دعوى القضاء الكامل .
اما في العراق فان محكمة القضاء الاداري في عدد من احكمها ومنه حكمها ذي العدد 81 في 12- 12-1992 قد استبعدت القرارات الادارية المتعلقة بالعقود الادارية من ولايتها  ولو تعلق الامر بالقرارات القابلة للانفصال عن العقد  ونرى ان مسلكها غير سليم في هذا الخصوص.



المبحث الثاني
القرارات الإدارية من حيث آثارها
(قرارات منشئة وقرارات كاشفة )
               
        يمكن تقسيم القرار الإدارية من حيث طبيعة آثارها إلى قسمين : قرارات منشئة وهي القرارات التي يترتب عليها أنشاء مراكز قانونية جديدة أو إحداث تغيير في المراكز القانونية القائمة تعديلاً أو إلغاء , كالقرار الصادر بتعيين موظف عام أو فصله أو معاقبته.
        أما القسم الثاني من القرارات فيسمى بالقرارات الكاشفة ويقصد بها القرارات التي لا تحدث مركزاً قانونياً جديداً وإنما تقرر حالة موجودة أو تكشف عن مركز قانوني قائم مسبقاً , مثل القرار الصادر بفصل موظف لصدور حكم ضده بعقوبة جنائية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو القرار الذي يتضمن تأكيد أو تفسير قرار سابق دون أن يضيف إليه .
        ويتبين من ذلك أن أثر القرارات الكاشفة ينحصر في إثبات وتقرير حالة موجودة من قبل ولا يتعدى ذلك إلى أنشاء مراكز قانونية جديدة .
        وتبدو أهمية التفرقة بين القرارات الإدارية الكشافة والقرارات الإدارية المنشئة في أمرين :
1.    أن القرارات المنشئة ترتب آثارها منذ صدورها أما القرارات الكاشفة فترجع آثارها إلى التاريخ الذي ولدت فيه الآثار القانونية التي كشف عنها القرار , إلا أن ذلك لا يعتبر إخلالاً بمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية , لأن أثر القرارات الكاشفة فوري إذ تكشف عن العمل القانوني المنشئ للمركز القانوني محل القرار الكاشف . 
2.    القرارات الكاشفة يجوز للإدارة سحبها دون التقيد بميعاد محدد مطلقاً , أما القرارات الإدارية المنشئة فإن سحبها يكون مقيد بميعاد الطعن بالإلغاء .


المبحث الثالث
القرارات الإدارية من حيث رقابة القضاء
(قرارات تخضع للرقابة وقرارات لا تخضع للرقابة )
        تنقسم القرارات الإدارية من زاوية خضوعها لرقابة القضاء , إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وهذا هو الأصل , وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وهي القرارات المتعلقة بأعمال السيادة أو تلك التي منعت التشريعات الطعن فيها أمام القضاء .

أولاً : القرارات الخاضعة لرقابة القضاء .
        تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية تلزم الجميع بتنفيذها و احترامها .
        والأصل أن تخضع جميع القرارات الإدارية النهائية لرقابة القضاء أعمالاً لمبدأ المشروعية  , ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة الأول يسمى القضاء الموحد , أما الثاني فيسمى نظام القضاء المزدوج .
1.    نظام القضاء الموحد : في هذا النظام من القضاء تنحصر الرقابة القضائية في نطاق ضيق من جانب القضاء , يتمثل في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج من جراء تطبيق القرارات الإدارية . 
ويسود هذا النظام في إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى , ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها.
        وهذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي إمتيازات في مواجهة الأفراد . 
        بالإضافة إلى اليسر في إجراءات التقاضي إذا ما قورنت بأسلوب توزيع الاختصاصات القضائية بين القضاء العادي والإداري في نظام القضاء المزدوج .
        ومع ذلك فقد وجه النقد إلى هذا النظام من حيث أنه يقضي على الاستقلال الواجب للإدارة بتوجيهه الأوامر إليها بما يعيق أدائها لأعمالها , مما يدفع الإدارة إلى استصدار التشريعات التي تمنع الطعن في قراراتها , ولا يخفي ما لهذا من أضرار بحقوق الأفراد وحرياتهم .
        ومن جانب آخر يؤدي هذا النظام إلى تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية للموظفين مما يدفعهم إلى الخشية من أداء عملهم بالوجه المطلوب خوفاً من المساءلة .
2.    نظام القضاء المزدوج : يقوم هذا النظام على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين, جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة عندما تتصرف كشخص من أشخاص القانون الخاص , ويطبق القضاء على هذا النزاع أحكام القانون الخاص .
وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد    والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بإمتيازات لا يتمتع   بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام .
ووفقاً لهذا النظام تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء الإداري        إلغاءً وتعويضاً , إلا في استثناءات معينة تتعلق بأعمال السيادة والقرارات التي        حصنها المشرع من رقابة القضاء .
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب فرنسا التي تعد مهد القضاء الإداري     ومنها انتشر هذا النظام في كثير الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق .
ثانياً : القرارات غير خاضعة لرقابة القضاء .
        القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء تتمثل في صنفين الأول يتعلق بأعمال السيادة أو الأعمال الحكومية , أما الثاني فيشمل القرارات الإدارية التي يحصنها المشرع من رقابة القضاء لاعتبارات خاصة .
1. أعمــال السيـــادة : اختلف الفقه والقضاء في تعريف أعمال السيادة , وهي في حقيقتها قرارات إدارية تصدر عن السلطة التنفيذية , وتتميز بعدم خضوعها لرقابة القضاء سواء أكان بالإلغاء أو التعويض . 

        وقد نشأت نظرية أعمال السيادة في فرنسا عندما حاول مجلس الدولة الفرنسي أن يحتفظ بوجوده في حقبة إعادة الملكية إلى فرنسا عندما تخلى عن الرقابة على بعض أعمال السلطة التنفيذية . 
        ومعيار الباعث السياسي هو المعيار الذي اعتمده مجلس الدولة الفرنسي للأخذ بنظرية أعال السيادة و ويعد حكم مجلس الدولة في قضية Le Fitte  الصادر في 1/5/1822 حجر الأساس في اعتماد هذا المعيار . 
وبمقتضاه يعد العمل من أعمال السيادة إذا كان الباعث عليه سياسياً، أما إذا لم يكن الباعث سياسياً فإنه يعد من الأعمال الإدارية التي تخضع لرقابة القضاء . 
وقد أخذ مجلس الدولة بهذا المعيار ليتلافى الاصطدام مع الإدارة لأنه معيار مرن يتيح للإدارة التخلص من رقابة القضاء بمجرد تذرعها بأن الباعث على تصرفها سياسي .
     غير أن الانتقادات الموجهة لهذا المعيار دفعت مجلس الدولة إلى التخلي عنه والأخذ بمعيار طبيعة العمل الذي يقوم على أساس البحث في موضوع العمل الإداري فإذا تعلق بتحقيق مصلحة الجماعة السياسية والسهر على احترام الدستور وسير الهيئات العامة وعلاقات الدولة مع الدول الأجنبية فإن العمل يكون من الأعمال الحكومية أو أعمال السيادة , أما إذا كانت الأعمال الإدارية التي تتعلق بالتطبيق اليومي للقوانين والإشراف على علاقات الأفراد بالهيئات الإدارية مركزية أو غير مركزية فإن العمل يكون إدارياً ويخضع لرقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً . 
        في حين اتجه جانب من الفقه إلى الأخذ بمعيار آخر يسمى القائمة القضائية , يقوم على أن تحديد أعمال السيادة يعتمد على ما يقرره القضاء فهو يبين هذه الأعمال ويحدد نطاقها , وقد أسهم مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع في وضع قائمة لأعمال السيادة أهمها :
- الإعمال المتعلقة بعلاقة الحكومة بالبرلمان .
- القرارات الخاصة بانتخاب المجالس النيابية والمنازعات الناشئة عنها .
-         قرارات رئيس الجمهورية المتعلقة بالعلاقة بين السلطات الدستورية ،وممارسة الوظيفة التشريعية مثل قرار اللجوء إلى السلطات الإستثنائية المنصوص عليها المادة 16 من الدستور 1958 الفرنسي .
-         الأعمال المتصلة بالعلاقات الدولية والدبلوماسية .
-         الأعمال المتعلقة بالحرب.

2- القرارات المحصنة من رقابة القضاء : من مظاهر سيادة القانون أن تخضع قرارات الإدارية جميعا لرقابة القضاء ، فهو الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حقوق الأفراد في مواجهة الدولة بهيئاتها المختلفة التشريعية والتنفيذية .
        فالقضاء يملك تقويم  عمل الإدارة وإجبارها على احترام المشروعة إذا ما حادث عنها ولاشك أن في ذلك ضمان مهمة لحماية حقوق الأفراد وحرياتها ،وتتم من خلال السماح للأفراد بالطعن في قرارات الإدارية إذا مست مصالحهم طالبين إلغائها أو التعويض عنها .
        وإذا كان الأصل خضوع الإدارة لرقابة القضاء فان مستلزمات المصلحة العامة قد تقتضي التخفيف من صرامة هذا المبدأ فتسمح بموازنة مبدأ المشروعية من خلال نظرية السلطة التقديرية والظروف الإستثنائية .
        إلا أن الدول تبالغ أحيانا في استبعاد الكثير من القرارات الإدارية من الخضوع للطعن أمام القضاء لاعتبار مختلفة .
        ولاشك ان هذا الاتجاه خطير من المشرع لأن تحصينة للقرارات الادارية من الطعن ،يجرد الافراد من ضمانه مهمه في مواجهة عسف الادارة .

 ومن الجدير بالذكر ان المشرع العراقي قد اخرج من اختصاصات محكمة القضاء الاداري الطعون في القرارات الاتية :
1.    اعمال السيادة واعتبر من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية .
2.    القرارات الادارية التي تتخذ تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقاً لصلاحياته الدستورية .
3.    القرارات الادارية التي رسم القانون طريقاً للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها .
وفي ضوء ذلك يتبين ان اختصاصات المحكمة محدودة جداً فهي علاوة على حصر اختصاصها بالنظر في صحة الاوامر والقرارات الادارية, نجد ان المشرع قد استثنى العديد من القرارات الادارية من قبيل المراسيم والقرارات الصادرة من رئيس الجمهورية والتي اعتبرها من اعمال السيادة . وهو امر يتنافي مع مبدأ المشروعية وضرورة خضوع الادارة للقانون ويفتح المجال امام تعسفها وانتهاك حقوق الافراد وحرياتهم . كما ان المتتبع لطبيعة النظام القانوني العراقي يجد انه زاخر بالنصوص التي ترسم طريقاً للتظلم من القرارات الصادرة من بعض الجهات الادارية امام الادارة نفسها او امام لجان ادارية او شبه قضائية وان استثناء المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة هذا النوع من القرارات من ولاية محكمة القضاء الاداري يقضي على ضمانة مهمة من ضمانات التقاضي ويحرم الافراد من الاستفادة من قضاء مستقل متخصص بالمنازعات الادارية .

    وقد تنبه المشرع العراقي إلى هذا الأمر فاصدر قانون إلغاء النصوص القانونية التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى رقم 17 لسنة 2005 والذي جاء في المادة الأولى منه (تلغى النصوص القانونية أينما وردت في القوانين والقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة (المنحل ) اعتبارا من 17/7/1968 لغاية 9/4/2003 التي تقضي بمنع المحاكم من سماع الدعاوى الناشئة من تطبيق القوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل) .
      إلا إن مما يؤخذ على هذا القانون انه استثنى من تطبيق أحكامه في المادة الثالثة منه قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والضرائب وقرارات منع التجاوز على أراضي الدولة .
 ولا يخفى إن هذا الاستثناء غير دستوري لتعارضه مع نص المادة 100  من الدستور العراقي الصادر عام 2005 حيت ورد : (يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن) .

المبحث الرابع
القرارات الإدارية من حيث نفاذها في مواجهة الأفراد
(قرارات نافذة وقرارات غير نافذة )

تنقسم القرارات الإدارية من حيث أثرها بالنسبة للأفراد إلى قرارات ملزمة للأفراد ونافذة بحقهم عليهم احترامها وإذا قصروا في ذلك اجبروا على التنفيذ - وهذا الأصل في القرارات الإدارية - وقرارات إدارية يقتصر أثرها على الإدارة تسمى الإجراءات الداخلية ومنها المنشورات والتعليمات على اختلاف أنواعها وتعليمات شارحة ،أو آمره أو ناصحه أو مقرره ومؤكده  وهذا النوع من القرارات غير نافذ في حق الأفراد وغير ملزم لهم ،ولا يحتج بها عليهم .
     بل ان من القضاء  من أنكر على التعليمات صفتها القانونية وأعتبرها من قبيل الاعمال المادية محللين ذلك بانها موجهة من الرؤساء الاداريين الى موظفين وليس من الواجب على هؤلاء اطاعتها ولايمكن الزامهم بها الا بطريق غير مباشر عن طريق العقوبات التأديبية .
  بيد ان هذا القول لايمكن الاعتداد به لان مخالفة التعليمات بنتج عنها بطبيعة الحال التهديد بالمساس بالمركز الشخصي للموظف ونعتقد ان هذا كاف لاضفاء طابع العمل القانوني على التعليمات .
  إلا أن مايميز هذا النوع من القرارات هو انها غير موجهه للافراد ولا ترتب أثار قانونيه في مواجهتهم لانها تخاطب الموظفين فقط .
   ويترتب على هذا التقسيم ان الاجراءات الداخلية أو التعليمات لايمكن ان تكون موضوعا لدعوى الإلغاء ،فلا يقبل من الافراد الطعن بالإلغاء ضدها لانها غير نافذة في مواجهتهم ،كما انه لايقبل من الموظف الذي تخاطبه هذه القرارات الطعن فيها بالإلغاء لانه يقع على عاتقه أطاعتها والعمل بها وإلا تعرض للعقوبات التأديبية .




المبحث الخامس
القرارات الإدارية من حيث مداها أو عموميتها
( قرارات تنظمية ،قرارات فردية)
تنقسم القرارات  الادارية من حيث مداها الى قرارات تنظيمية أو لوائح ،وقرارات فردية ،ويعد هذا التقسيم من أهم تقسيمات القرارات الادارية لما يترتب عليه من نتائج تتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له كل من القرارات التنظيمية والقرارات الفردية .

أولا : القرارات التنظيمية :
        القرارات التنظيمية هي تلك القرارات التي تحتوي على قواعد عامة مجرد تسري على جميع الافراد الذين تنطبق  عليهم الشروط التي وردت في القاعدة .
        وعمومية المراكز القانونية التي يتضمنها القرار التنظيمي لاتعني انها تنطبق على كافة الاشخاص في المجتمع ،فهي تخاطب فرد أو فئة معينة في المجتمع معينين بصفاتهم لابذواتهم .
        والقرارات التنظيمية هي في حقيقتها تشريع ثانوي يقوم الى جانب التشريع العادي، إلا أنه يصدر عن الادارة ،وعلى ذلك فهو تشريع ثانوي يطبق على كل من يستوفي شروطا معينة تضعها القاعدة مسبقا ولا تسنفذ اللائحة موضوعها بتطبيقها ،بل تظل قائمة لتطبق مستقبلا، مع انها اقل ثباتا من القانون.
        وعلى الرغم من اشتراك اللائحة مع القانون من حيث انهما يتضمنان قواعد عامة مجرده ،فانهما يختلفان في مضمون كل منهما فالقانون يضع او يقرر مبادئ عامة اساسية ،بينما يقتصر دور اللائحة  على ايراد الاحكام التفصيلية التي يتعرض اليها القانون كما ان القانون يصدر بعد إقراره من السلطة التشريعية ،اما القرارات التنظيمية أو اللوائح فتصدر عن السلطة التنفيذية .
وتتنوع اللوائح الى عدة انواع أهما:-
1-     اللوائح التنفيذية :- وهي التي تصدرها الادارة بغرض وضع القانون موضع التنفيذ ، وهي تخضع تماماً للقانون وتقيد به وتتبعه ، فلا تملك ان تعدل فيه او تضف اليه او تعطل تنفيذه.
2-     لوائح الضبط :- وهي تلك اللوائح التي تصدرها الادارة بقصد المحافظة على النظام العام بعناصره المختلفة، الامن العام ،والصحة العامة والسكينة العامة ،وهي مهمه بالغة الاهمية لتعلقها مباشرة بحياة الافراد وتقيد حرياتهم لانها تتضمن اوامر ونواهي و توقع العقوبات على مخالفيها ،مثل لوائح المرور وحماية الاغذية والمشروبات والمحال العامة .
3-     اللوائح التنظيمية :- وتسمى ايضا اللوائح المستقلة وهي اللوائح التي تتعدى تنفيذ القوانين الى تنظيم بعض الامور التي لم يتطرق اليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع .
4-     لوائح الضرورة :- وهي اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة البرلمان أو السلطة التشريعية لمواجهة ظروف استثنائية عاجلة تهدد أمن الدولة وسلامتها ، فتمتلك السلطة التنفيذية من خلالها ان تنظم امور ينظمها القانون اصلا ويجب ان تعرض هذه القرارات على السلطة التشريعية في اقرب فرصة لاقرارها .
5-     اللوائح التفويضية :- وهي القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية لتنظيم بعض المسائل الداخلة اصلا في نطاق التشريع ويكون لهذه القرارات قوة القانون سواء اصدرت في غيبة السلطة التشريعية أو في حالة انعقادها.

ثانياً : القرارات الفردية .
        وهي القرارات التي تنشئ مراكز قانونية خاصة بحالات فردية تتصل بفرد معين بالذات أو أفراداً معينين بذواتهم و وتستنفذ موضوعها بمجرد تطبيقها مرة واحدة .  مثل القرار الصادر بتعيين موظف عام أو ترقية عدد من الموظفين .
        ويظهر الاختلاف بين القرارات التنظيمية أو اللوائح والقرارات الفردية فيما يلي :
1.    تسري القرارات الفردية على فرد معين بالذات أو أفراد أو حالات معينة بالذات , بينما تتضمن القرارات التنظيمية قواعد عامة مجردة تطبق على كل من تتوافر فيهم شروط معينة دون أن يتم تحديد هؤلاء الأشخاص مقدماً بذواتهم أو أسمائهم .
2.    يسري القرار الفردي من تاريخ إعلان صاحب الشأن به كقاعدة عامة , في حين يبدأ سريان القرارات الإدارية التنظيمية من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية .
3.    تملك الإدارة الحق في تعديل القرارات التنظيمية أو إلغائها أو سحبها دون أن يكون لأحد الحق بالتمسك بحقوق مكتسبة , على اعتبار أنها تنظم قواعد عامة , في حين تخضع الإدارة في سحبها وإلغائها أو تعديلها للقرارات الإدارية الفردية لشروط معينة حددها القانون .
تختص المحاكم العادية في تفسير القرارات التنظيمية , كما هو الحال في تفسير القوانين , في حين يختص القضاء الإداري بتفسير القرارات الإدارية الفردية .